// الواقع
عاجل:

مقال حول خطاب التمييز الاجتماعي بين الماضي والحاضر

Image



نحن نعيش في دولة من العالم الثالث تسمى موريتانيا حديثة النشأة إذا ما قورنت بالحضارات والثقافات العريقة. وتتشكل مجتمعاتنا من فئات متباينة في العادات والتقاليد، وقد مرّت هذه الفئات عبر مراحل تاريخية متعاقبة قبل قيام الدولة الحديثة. ففي عصور ما قبل الدولة، كان النظام القبلي هو السائد، حيث يسود الأقوى ويُقصى الضعيف، ويستغل الناس بعضهم بعضاً، شأنهم شأن المجتمعات التي مرت في مسار تطورها بمثل هذه المراحل.

ومع نشوء الدولة واستقرار مؤسساتها، ظلّت بعض مظاهر الماضي قائمة، لاسيما الاستغلال والتمييز. وانقسم المجتمع بين من أُتيحت لهم فرصة التعليم والثقافة، وبين من انشغلوا بكدح العيش دون أن ينالوا مثل تلك الفرص. وتعاقبت الأجيال على هذه الحال، فخلّفت خلافاتٍ وصراعاتٍ لا تزال آثارها باقية.

غير أنّ طبيعة الإنسان الميل إلى السيادة والتميز، وهذا أمر فطري. لكننا اليوم في القرن الحادي والعشرين، حيث لم يعد ثمة مكان للجهل والتخلف. والجاهل في عصرنا ليس مَن لا يقرأ ولا يكتب، بل من يجهل أدوات العصر وتقنياته. وجميع الفئات لا تخلو من دعاة فتنة ومحرضين، غير أنّ العدالة والعلم والتطور هي التي تبني الأمم وتنهض بها.

إنّ الخطاب الشرائحي ليس سوى طرحٍ سطحيٍّ تافه، يقوم على التحريض وإحياء دعاوى باطلة لا أساس لها من الصحة. وعلى كل مواطن أن يدرك أنّ مستقبله يصنعه بنفسه: بالعلم، وبالتطوير الذاتي، وبالاقتداء بالشرع القويم، وبالاحترام المتبادل بين الناس. فلا فرق بينهم إلا بالتقوى. وسيبقى في الناس من يؤجج العصبية والعنصرية، شأن الشيطان الذي أبى السجود لآدم، بدعوى أنّه خُلق من نار وآدم من طين.

ومن هنا وجب على كل فرد أن يتنزه عن هذه الخطابات المقيتة، وأن يعمل على بناء نفسه بالعلم والمعرفة، وأن يسعى إلى المكانة الرفيعة بالاجتهاد والخلق الكريم، وأن يُجالس خيار الناس ويتجنب أهل التحريض والفتن الذين لا يخلو منهم مجتمع.

أما الزواج، فهو قرار شخصي ومصيري، لا يُبنى على اللون أو القبيلة أو العصبية. وإنما تُبنى الأسرة على الدين، والخلق، والاحترام، والمساواة. وقد قال رسول الله ﷺ: «فاظفر بذات الدين تَرِبَتْ يداك». فالزواج من بيضاء أو سمراء ليس إنجازاً في ذاته، وإنما الإنجاز أن تختار زوجة صالحة تُعينك على دينك ودنياك، وتبني معها أسرة قائمة على المودة والرحمة.

فالواجب أن نُطهّر ثقافتنا من هذه الخطابات المتخلفة التي لا تزيد الأمة إلا انحداراً، وأن نرتقي بفكرنا وسلوكنا لنكون جديرين بعصرنا، مستضيئين بنور العلم، متمسكين بمرجعية الشرع، عاملين على بناء مجتمع متماسك يسوده الاحترام والعدل.

بقلم 🖊️ الدكتور محمد عبد الله ببكر
بتاريخ : 13 سبتمبر 2025